فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)}.
قوله: {في القَتْلَى}، أي: بسبب القَتْلَى و{في} تكون للسَّببية؛ كقوله عليه السلام: «إنَّ امْرَأَةً دَخَلَتِ النَّار في هِرَّةٍ»، أي: بسببها، وفعلى يطَّردُ أن يكون جمعًا لفعيل، بمعنى مفعول، وقد تقدَّم شيءٌ من هذا عند قوله: {وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى} [البقرة: 85].

.فصل في اشتقاق كلمة {القصاص}:

و{القِصَاصُ}: مصدر قَاصَّهُ يُقَاصُّهُ قِصَاصاَ، ومقَاصَّةً؛ نحو: قاتَلْتُهُ قِتَالًا، ومُقَاتَلَةً، وأصله من: قصصت الشيءن اتَّبعت أثره؛ لأنَّه اتباع دم المقتول.
قال تعالى: {فارتدا على آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11]، أي: اتبعي أثره، وسمِّيت القصَّة قصَّةً؛ لتتبُّع الخبر المحكيِّ، والقصص تتبُّع أخبار النَّاس، وسمِّي المقصُّ مقصًّا، لتعادل جانبيه، هذا أصل المادَّة.
فمعنى القصاص: تتبُّع الدم بالقود، ومنه التقصيص، لما يتبع من الكلأ بعد رعيه، والقصُّ أيضًا: الجصُّ، ومنه نهيه عليه السلام عن تقصيص القبور أي: تجصيصها.
قوله: {الحُرُّ بالحُرِّ} مبتدأٌ وخبرٌ، والتقدير: الحُرُّ مأخوذٌ بالحُرِّ، أو مقتول بالحُرِّ، فتقدِّر كونًا خاصًّا، حُذِف؛ لدلالة الكالم عليه؛ فإنَّ الباء فيه للسَّبب، ولا يجوز أن تقدِّر كونًا مطلقًا؛ إذ لا فائدة فيه، لو قلت: الحُرُّ كائنٌ بالحُرِّ إلاَّ أن تقدِّر مضافًا، أي: قتل الحرِّ كائن بالحُرِّ، وأجاز أبو حيان: أن يكون الحُرُّ مرفوعًا بفعل محذوف، تقديره: يُقْتَلُ الحُرُّ بالحُرِّ؛ يدلُّ عليه قوله تعالى: {القصاص فِي القتلى}؛ فإن القصاص يشعر بهذا الفعل المقدَّر، وفيه بعدٌ، والحر وصفٌ، وفُعْل الوصف، جمعه على أفْعَالٍ لا يقاس، قالوا: حُرٌّ وأَحْرَارٌ، ومُرٌّ وأمرار، والمؤنَّثة حُرَّة، وجمعها على حَرَائِر محفوظٌ أيضًا، يقال: حَرَّ الغُلاَمُ يَحَرُّ حُرِّيَّةً.
قوله: {فَمَنْ عُفِيَ} يجوز في {مَنْ} وجهان:
أحدهما: أن تكون شرطيَّةً.
والثاني: أن تكون موصولةً، وعلى كلا التقديرين، فموضعها رفعٌ بالابتداء؛ وعلى الأَوَّل: يكون {عُفِيَ} في محلِّ جزم بالشَّرط؛ وعلى الثَّاني: لا محلَّ له، وتكون الفاء واجبةً في قوله: {فَاتِّبَاعٌ} على الأوَّل، ومحلُّها وما بعدها الجَزم وجائزةٌ في الثَّاني، ومحلُّها وما بعدها الرفع على الخبر، والظاهر أَنَّ {مَنْ} هو القاتِلُ، والضمير في لَهُ وأخيه عائدٌ على مَنْ وشيء هو القائِمُ مقام الفاعل، والمرادُ به المصدر، وبني {عُفِيَ} للمفعول، وإِنْ كان قاصرًا؛ لأن القاصر يتعدَّى للمصدر؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: 13]، والأخ هو المقتولُ، أو وليُّ الدم، وسمَّاه أخًا للقاتِل؛ استعطافًا علَيْه، وهذا المصدر القائمُ مقام الفاعل المرادُ به الدَّمُ المعفُوُّ عنه، و{عُفِيَ} يتعدّى إلى الجاني، وإلى الجناية بعَنْ؛ تقول: عَفَوْتُ عَنْ زَيْدٍ، وعَفَوْتُ عَنْ ذَنْبِ زَيْدٍ فإذا عدي إليهما معًا، تعدَّى إلى الجاني باللام، وإلى الجناية بعَنْ؛ تقول عَفَوْتُ لِزَيْدٍ عَنْ ذَنْبِهِ، والآية من هذا الباب، أي: فمَنْ عُفِيَ له عَنْ جنايتِهِ وقيل: مَنْ هو وليُّ أي مَنْ جُعِلَ له من دم أخيهِ بدلُ الدمِ، وهو القِصَاص، أو الدِّيَةُ، والمرادُ ب {شَيْءٌ} حينئذٍ: ذلك المستَحَقُّ، والمرادُ بالأخ المقتولُ، ويحتمل أنْ يرادَ علَى هذا القول أيضًا: القاتِلُ، ويراد بالشيءِ الديةُ، و{عُفِيَ} بمعنى: يُسِّرَ على هذين القولَيْن، وقيل: بمعنى تُرِكَ.
وشَنَّعَ الزَّمْخَشرِيُّ على مَنْ فَسَّر {عُفِيَ} بمعنى تُرِكَ قال: فإنْ قُلْتَ: هَلاَّ فسَّرْتَ {عُفِيَ} بمعنى تُرِكَ؛ حتى يكون شَيْءٌ في معنى المفعُول به.
قلْتُ: لأنَّ: عَفَا الشَّيْء بمعنى تركَهُ، ليْس يثبُتُ، ولكنْ أَعْفَاهُ، ومنه: «وَأَعْفُوا اللِّحَى»، فإنْ قُلتَ: قد ثَبَتَ قولُهُمْ: عَفَا أَثَرَه إِذَا مَحَاهُ وأَزَالَهُ، فهلاَّ جَعْلتَ معْنَاه: فَمَنْ مُحِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيء قلْتُ: عبارةٌ قلقلةٌ في مكَانها، والعفُو في بابِ الجناياتِ عبارةٌ متداولَةٌ مشهُورة في الكتَاب والسُّنةِ، واستعمال النَّاس، فلا يُعْدَلُ عنها إلى أخرَى قلقةٍ نابيةٍ عنْ مكانها، وَتَرَى كثيرًا ممن يتعاطَى هذا العلْمَ يجترئ إِذَا أعْضلَ علَيْه تخريجُ وجْهٍ للمشْكِلِ من كلام الله تعالى على اختراعٍ لُغةٍ، وادِّعاءٍ على العرب ما لَمْ تعرْفهُ، وهذا جُزأةٌ يستعاذ بالله منها.
قال أَبُو حَيَّان: إذا ثَبَتَ أنَّ عَفَا بمعنى مَحَا فَلاَ يَبْعُدُ حَمْلُ الآية علَيْه، ويكون إسناد عَفَا لمرفوعِهِ إسنادًا حقيقيًا؛ لأنَّهُ إِذْ ذاكَ مفعولٌ به صريح، وإذا كان لا يتعدَّى كان إسناده لمرفوعِهِ مجازًا؛ لأنَّه مَصْدَرٌ مشبَّهٌ بالمفعول به، فقد يتعادَلُ الوجْهَان؛ أَعْنِي: كوْنَ عَفَا اللاَّزم لشهرته في الجنايات، وعَفَا المتعدِّي بمعنى مَحَا لتعلُّقه بمرفوعِهِ تعلُّقًا حقيقيًا.
فإن قيل: تضَمّن عَفَا معنى تَرَكَ.
فالجوابُ: أنَّ التَّمين لا يَنْقَاسُ، وقد أَجَازَ ابن عطيَّة رحمه الله أن يكون عَفَا بمعنى تَرَكَ.
وقيل إِنَّ {عُفِيَ} بمعنى فُضِلَ، والمعنَى: فَمَنْ فضل له من الطائفَتَيْن على الأُخْرَى شيءٌ من تِلْك الدِّيات؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَفَاء الشَّيْءُ إِذَا كَثُرَ، وَأَظْهَرُ هَذه الأقْوَالِ أوَّلُهَا.
قوله: {فاتباع بالمعروف} في رفْع اتِّبَاعٌ ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، فقدره ابن عطيَّة- رحمه الله تعالى- والواجبُ الاتباعُ وقدَّره الزمخشريُّ: فالأَمْر اتِّباعٌ.
قال ابن عطيَّة: وهذا سبيلُ الواجباتِ، وأَمَّا المندوبات، فتجيء منصوبةً؛ كقوله: {فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] قال أبو حيَّان: ولا أدري ما الفَرٌْ بين النَّصْب والرفع، إلاَّ ما ذكروه من أَنَّ الجملة الاسمية أثبَتُ وآكد؛ فيمكن أن يكُونَ مستند ابن عطيَّة هذا، كما قالوا في قوله: {قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} [هود: 69].
الثاني: أن يرتفع بإضمار فعل، وقدره الزمخشري: فليكن اتباعٌ قال أبو حيَّان: هو ضعيفٌ؛ إِذْ كان لا تضمَرُ غالبًا إلاَّ بعد إِن الشَّرطيَّة ولَوْ؛ لدليلٍ يَدُلُّ عليه.
الثالث: أن يكُونَ مبتدأً محذوفَ الخبر، فمنهم: مَنْ قَدَّرَهُ متقدِّمًا عليه، أي: فعلَيْهِ اتباعٌ ومنهم: مَنْ قدَّره متأخِّرًا عنه، أي: فَاتِّباعٌ بالمَعْرُوفِ علَيْه.
قوله: {بِالمَعْرُوفِ} فيه ثلاةُ أوجُهٍ:
أحدها: أن يتعلَّق باتِّبَاعٌ فيكون منصوبَ المحلِّ.
الثاني: أن يكونَ وصْفًا لقوله: اتِّبَاعٌ فيتعلَّق بمحذوف ويكون محلُّه الرفْعَ.
الثالث: أَنْ يكون في محلِّ نصب على الحال مِنَ الهاء المحذُوفة، تقديرُهُ: فعلَيْهِ اتِّباعُهُ عادلًا والعاملُ في الحالِ معْنَى الاسْتِقْرار.
قوله: {وَأدَاء إِلَيْهِ بإحْسَانٍ} في رفعه أربعةُ أوجُه، الثلاثة المقولةُ في قوله: فاتِّبَاعٌ؛ لأنَّه معطوف علَيْه.
والرابع: أنْ يكونَ مبتدأً خبره الجارُّ والمجرورُ بَعْده، وهو {بإِحْسَانٍ}، وهو بعيدٌ، و{إِلَيْهِ} في محلِّ نصْبٍ؛ لتعلُّقِهِ ب {أداءٌ}، ويجوز أن يكونَ في محلِّ رفْع؛ صفةً ل {أداءٌ} فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: وأَدَاءٌ كَائِنٌ إلَيْهِ.
و{بِإِحْسَانٍ} فيه أربعةُ أوجهٍ: الثلاثة المقولة في {بِالمَعْرُوفِ}.
والرابع: أَنْ يكون خبر الأداء، كما تقدَّم في الوجه الرابع من رفع {أَدَاءٌ}.
والهاء في {إِلَيْهِ}، تعود إلى العافي، وإنْ لم يَجْرِ له ذِكٌْ، لأَنَّ عَفَا يستلزمُ عافيًا، فهو من باب تَفْسِير الضمير بمصاحب بوجْهٍ ما، ومنه {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] أي: الشمس؛ لأن في ذكر العَشِيِّ دلالةً عليها؛ ومثله: الطويل:
فَإِنَّكَ وَالتَّأْبِينَ عُرْوَةَ بَعْدَمَا ** دَعَاكَ وَأَيْدينَا إِلَيْهِ شَوَارعُ

لَكَّالرَّجُلِ الْحَادِي وَقَدْ تَلَعَ الضُّحَى ** وَطَيْرُ المَنَايَا فَوْقَهُنَّ أَوَاقِعُ

فالضميرُ في فَوْقَهُنَّ للإِبِلِ؛ لدلالة لَفْظ الحَادِي عليها؛ لإِنَّهَا تصاحبُهُ بوجه مَّا.
قوله: {ذَلِكَ تَخْفِيف} الإِشارةُ بذلك إلى ما شَرَعه من العَفْو، والدية؛ لأنَّ العَفْو، وأَخذَ الدِّيَةِ محرَّمان عَلى أهْل التَّوْراة، وفي شَرْع النَّصَارَى العفْو فقَطْ، ولم يكُنْ لهم القصاص، فخير الله تعالى هذه الأمَّة بيْن القصاص، وبيْن العَفْو على الدِّيَة تخفيفًا منه ورحمةً.
وقيل إِنَّ قوله: {ذَلِكَ} راجعٌ إلى قوله: {فاتباع بالمعروف وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} و{مِنْ رَبِّكُم} في محلِّ رفْعٍ؛ لأَنَّهُ صفةٌ لما قبله، فيتعلَّق بمحذوف.
ورَحْمَةٌ صفتُها محذوفةٌ أيضًا، أي: رحْمَة مِنْ رَبِّكُمْ.
قوله: {فَمَن اعْتَدَى} يجوز في مَن الوجهانِ الجائزانِ في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ} من كونِها شرطيَّةً وموصولَةً، وجميعُ ما ذكر ثَمَّةَ يعودُ هنا. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (179):

قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال الفخر:

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أوجب في الآية المتقدمة القصاص وكان القصاص من باب الإيلام توجه فيه سؤال وهو أن يقال كيف يليق بكمال رحمته إيلام العبد الضعيف؟ فلأجل دفع هذا السؤال ذكر عقيبه حكمة شرع القصاص فقال: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة}. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما أخبر سبحانه وتعالى بفائدة العفو أخبر بفائدة مقابله تتميمًا لتأنيب أهل الكتاب على عدولهم عن النص وعماهم عن الحكمة فقال: {ولكم} أي يا أيها الذين آمنوا {في القصاص} أي هذا الجنس وهو قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان {حياة} أي عظيمة بديعة لأن من علم أنه يُقتل لا يَقْتُل. وقال الحرالي: فالحياة لمن سوى الجاني من عشيرته ممن كان يعتدى عليه بجناية غيره في الدنيا، والحياة للجاني بما اقتص منه في الأخرى، لأن من يكفّر ذنبه حيي في الآخرة، ومن بقي عليه جناية فأخذ بها فهو في حال ذلك ممن لا يموت فيها ولا يحيى، لأن المعاقب في حال عقوبته لا يجد طعم الحياة لغلبة ألمه ولا هو في الموت لإحساسه بعقوبته. انتهى.
وأما مطلق القتل كما كان أهل الجاهلية يقولون: القتل أنفى للقتل وليس كذلك، لأن من علموا أنهم إذا قتلوا اثنين لا يقتل بهما إلاّ واحد رُبما كان ذلك مجريًا لهم على القتل ويدخل فيه القتل ابتداء وهو أجلب للقتل لا أنفى له، وقد كانوا مطبقين على استجادة معنى كلمتهم واسترشاق لفظها، ومن المعلوم لكل ذي لب أن بينها وبين ما في القرآن كما بين الله وخلقه فإنها زائدة على عبارة القرآن في الحروف وناقصة في المعنى، فإذا أريد تصحيحها قبل القتل قصاصًا أنفى للقتل ظلمًا فكثرت الزيادة ولم تصل إلى رشاقة ما في القرآن وعذوبته- والله سبحانه وتعالى الموفق.
ولما كانت هذه العبارة كما ترى معجزة في صحة معناها ودقة إشارتها وغزير مفهوماته قال سبحانه وتعالى مرغبًا في علو الهمم {يا أولي الألباب} أي العقول التي تنفع أصحابها بخلوصها مما هو كالقشر لأنه جمع لب. قال الحرالي: وهو باطن العقل الذي شأنه أن يلحظ أمر الله في المشهودات كما شأن ظاهر العقل أن يلحظ الحقائق من المخلوقات، فهم الناظرون إلى ربّهم في آياته. انتهى.
ثم علل ذلك بقوله: {لعلكم تتقون} أي الله بالانقياد لما شرع فتتحامون القتل. قال الحرالي: وفي إبهام لعل التي هي من الخلق كما تقدم تردد إعلام بتصنيفهم صنفين بين من يثمر ذلك له تقوى وبين من يحمله ذلك ويزيده في الاعتداء. انتهى.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في الآية وجوه:
الأول: أنه ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة لأن القصاص إزالة للحياة وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلًا، وفي حق من يراد جعله مقتولًا وفي حق غيرهما أيضًا، أما في حق من يريد أن يكون قاتلًا فلأنه إذا علم أنه لو قتل قتل ترك القتل فلا يقتل فيبقى حيًا، وأما في حق من يراد جعله مقتولًا فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما فلأن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل، أو من يهم به وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأن الفتنة تعظم بسبب القتل فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس وفي تصور كون القصاص مشروعًا زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل.
الوجه الثاني: في تفسير الآية أن المراد منها أن نفس القصاص سبب الحياة وذلك لأن سافك الدم إذا أقيد منه ارتدع من كان يهم بالقتل فلم يقتل، فكان القصاص نفسه سببًا للحياة من هذا الوجه، واعلم أن الوجه الذي ذكرناه غير مخص بالقصاص الذي هو القتل، يدخل فيه القصاص في الجوارح والشجاج وذلك لأنه إذا علم أنه إن جرح عدوه اقتص منه زجره ذلك عن الإقدام فيصير سببًا لبقائهما لأن المجروح لا يؤمن فيه الموت وكذلك الجارح إذا اقتص منه وأيضًا فالشجة والجراحة التي لا قود فيها داخلة تحت الآية لأن الجارح لا يأمن أن تؤدى جراحته إلى زهوق النفس فيلزم القود، فخوف القصاص حاصل في النفس.
الوجه الثالث: أن المراد من القصاص إيجاب التسوية فيكون المراد أن في إيجاب التسوية حياة لغير القاتل، لأنه لا يقتل غير القاتل بخلاف ما يفعله أهل الجاهلية وهو قول السدي.
والوجه الرابع: قرأ أبو الجوزاء {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} أي فيما قص عليكم من حكم القتل والقصاص وقيل: {القصاص} القرآن، أي لكم في القرآن حياة للقلوب كقوله: {رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] {ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيّنَةٍ} [الأنفال: 42] والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
المسألة الثانية:
اتفق علماء البيان على أن هذه الآية في الإيجاز مع جمع المعاني باللغة بالغة إلى أعلى الدرجات، وذلك لأن العرب عبروا عن هذا المعنى بألفاظ كثير، كقولهم: قتل البعض إحياء للجميع، وقول آخرين: أكثروا القتل ليقل القتل، وأجود الألفاظ المنقولة عنهم في هذا الباب قولهم: القتل أنفى للقتل، ثم إن لفظ القرآن أفصح من هذا، وبيان التفاوت من وجوه:
أحدها: أن قوله: {وَلَكُمْ فِي القصاص حياة} أخصر من الكل، لأن قوله: {وَلَكُمْ} لا يدخل في هذا الباب، إذ لابد في الجميع من تقدير ذلك، لأن قول القائل: قتل البعض إحياء للجميع لابد فيه من تقدير مثله، وكذلك في قولهم: القتل أنفى للقتل فإذا تأملت علمت أن قوله: {فِي القصاص حياة} أشد اختصارًا من قولهم: القتل أنفى للقتل.
وثانيها: أن قولهم: القتل أنفى للقتل ظاهرة يقتضي كون الشيء سببًا لانتفاء نفسه وهو محال، وقوله: {فِي القصاص حياة} ليس كذلك، لأن المذكور هو نوع من القتل وهو القصاص، ثم ما جعله سببًا لمطلق الحياة لأنه ذكر الحياة منكرة، بل جعله سببًا لنوع من أنواع الحياة.
وثالثها: أن قولهم القتل أنفى للقتل، فيه تكرار للفظ القتل وليس قوله: {فِي القصاص حياة} كذلك ورابعها: أن قول القائل: القتل أنفى للقتل.
لا يفيد إلا الردع عن القتل، وقوله: {فِي القصاص حياة} يفيد الردع عن القتل وعن الجرح وغيرهما فهو أجمع للفوائد وخامسها: أن نفي القتل مطلوب تبعًا من حيث إنه يتضمن حصول الحياة، وأما الآية فإنها دالة على حصول الحياة وهو مقصود أصلي، فكان هذا أولى وسادسها: أن القتل ظلمًا قتل، مع أنه لا يكون نافيًا للقتل بل هو سبب لزيادة القتل، إنما النافي لوقوع القتل هو القتل المخصوص وهو القصاص، فظاهر قولهم باطل، أما الآية فهي صحيحة ظاهرًا وتقديرًا، فظهر التفاوت بين الآية وبين كلام العرب. اهـ.